الصيف معجون بطعم الألم
شعور الذنب:
هو صديقي القديم الذي لا يتركني وأنا أغادر الفراش دون قُبلة. يذكرني بكل تفاصيلي اليومية، التي لو كنت فعلتها لكان المشهد أفضل؛ هو أيضًا صديقي الليلي، ورفيق وسادتي، نكاد نتنافس على الفوز بالحصة الأكبر من لحاف الأفكار. اعتدت عليه حتى أصبحت الليالي وحيدة من دونه.
هكذا يبدأ وصف رحلتي في عوالم المشاعر المتناقضة التي أعيشها يوميًا. أرى نفسي وسط عاصفة من المشاعر والمواقف، يرافقني خلالها شعور الذنب كصديق قديم، ويعصر قلبي بألوانٍ مختلفة من اللوم والندم.
في عالمنا اليوم، حيث الانشغالات تتسابق على السطح والتشتت الذي يلفنا كل لحظة وكل حين، أصبحت صعوبة التركيز واحدة من أكثر الأعراض التي يعاني منها إنسان العصر الحديث، وهي من الأعراض المدرجة في الدليل التشخيصي للجمعية الأمريكية للطب النفسي.
لكن أكاد أجزم أنه وبالرغم من كل هذه المشتتات، يظل أقبح ما يجتاح المرء هو أن تمتزج إجازته و سعادته بمآسي الآخرين في العالم مواجهات يومية تصيبنا بنوبة «انفصال» (Splitting) بكل ما يحمله تخيلك للمشهد من معنى!
أجد نفسي محاصرة بين تفاصيل الحياة اليومية و أحداث العالم السلبية، المشاعر تتقاطع في داخلي، تجتمع بين فرح العطلة وقضاء الوقت مع أطفالي، وألم مصائب الآخرين في العالم، تختلط الأوراق تبعاً لاختلاف العوالم داخلي؛ لتبني جداراً من الاضطراب يحيط بي وينمو كل لحظة!
وفي متابعتي المستمرة للمقالات والأخبار أصبحت أعيش في نوبة انفصال حقيقة خلال العشرة أشهر الماضية. شعرت وكأنني أعيش عالمين متناقضين ومنفصلين تماماً، أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أرى الجثث والأشلاء (وأنا في تلك اللحظة مغمورة بشعور الذعر وتخيل هول المُصاب) ثم أعود لإكمال طقوس السفر مع أطفالي، المنغمسة (بشعور رفاهية من أقصاه إلى أقصاه) ليقتل كل متعة لدي، ليتملّكني شعور كامن بالذنب أثناء ذلك!
عملي في العيادة يجبرني على استقبال الأخبار السلبية بصلابة ولكن في عوالم التواصل الاجتماعي، أجد نفسي متأرجحة بين منشورات الفجيعة تارة، والسخرية والتفاهات تارة أخرى، بينما أحاول الابتعاد عن الأخبار الحساسة، التي تُصيب كل من يشاهدها بالذُعر والحُزن.
أحاول الإجابة على سؤال: «ماذا يحدث لعقل الإنسان بكل هذا الكم من التعرض لآلاف الصور و آلاف الأصوات التي تجعلنا نصل لعدم الاتزان الداخلي؟» ..أنا بالتأكيد لا أعتقد أن أي شخص يجب أن يعتاد على رؤية أشياء بهذا القدر من الألم، فسيكلوجية المشاعر المتأرجحة تدفعنا إلى تخبط مستمر، خاصة في زمن مليء بالانقسامات والتناقضات.
من زاوية علمية كيف يرى الإنسان العالم حوله؟
النموذج الذهني Mental Model الذي تستخدمه عقولنا لشرح كيفية عمل العالم. تتألف النماذج الذهنية من عنصرين. الأول هو: عنصر هيكلي، والذي يتضمن معرفة الشخص لنفسه وقيمه ومعتقداته وتطلعاته. و العنصر الثاني: كيفية صناعة القرار و ردات الفعل بعد استيعابها.
كيف لك أن تخوض جولات المشاعر الطبيعية و قرارات حياتية و انت في أعاصير و اجتياحات من المشاعر؟ كيف لك أن ترى و تثق بالعالم و أطيافه..وسط كل مايحدث!
أجد نفسي تائهة بين مشاركة الصور العائلية واللحظات الجميلة وبين محاولة إيصال مأساة الآخرين، نعيش بين فرح و وجع بين سخرية وخوف؛ تتلاقى المشاعر في دوامة لا نهاية لها، بينما تدور حروب نفسية في دواخلنا تبقى خفية عن الأنظار.
لست من مروجي الأفكار الحالمة أو المثالية حول التخلي -لأنني حاولت مراراً وفشلت- ولا أطالبك شخصياً بتغيير شيء من نمط حياتك.
لكن هي محاولة على استحياء لتذكير نفسي وتذكيرك بالإنسانية المفقودة. حتى لا نعتاد المشهد!
(سلمى المُفتي)
SHARE THIS