ثـــلمى
مكتبي أو “غرفتي” التي طالما ناديتها كذلك في عيادتي.. هذه المساحات الواسعة والطلاء الحائطي الزاهي، والأنوار الخافتة مع ضوء الشمس الدافئ ليست حكراً على الأوجاع.. كانت غرفتي الخاصة بجلسات العلاج تتسع لتحتضن حزنهم وفرحتهم.. ضحكاتهم،.. تحمل غرفتي رائحتها كتذكار للحظات سعادة حقيقية أعيشها مع مراجعي بين الوقت والآخر
سيدة أربعينية، الحياة تقطر منها، يصاحبها ثنائي القطب كمرض أعلن حضوره الفعلي في حياتها الخاصة، استمرت في الحضور بشكل منتظم لأنها أرادت ذلك..تأتي أسبوعيا دون ملل..لتسرد مشكلتها منذ نعومة أظافرها إلى أن تم تشخيصها.. ذلك التخبط العجيب في حالتها المزاجية الممزوج بالسعادة المفرطة والحزن العميق الذي ليس له أي سبب مقنع! عندما تكون في الحالة المزاجية العالية وما نسميه بالطب النفسي “الهوس” تقوم بسلوكيات غريبة مثلاً تقرأ كتاب كامل في يوم واحد، تشتري بمبالغ كبيرة دون التفكير بأي عواقب لبطاقتها الإئتمانية.. أو حتى ينعدم نومها إلى ثلاث أيام متواصلة. لدرجة أنها ذات يوم رهنت منزلها واشترت شقة مطلة على البحر فجأة! دون استشارة أحد بالرغم من ضغوطاتها المادية.. تلك جزء من نوبات الهوس التي تجعل مصابي ثنائي القطب يرون الأشياء بمنظور منطقي لهم لحظياً وغير مقنع للغيرأبداً
نحن نساعدهم وأسرهم على التنبؤ قبل حدوث الانتكاسة بملاحظة سلوكياتهم وتدوينها مما يزيد وعيهم وذويهم للتدخل السريع
بعد مرور ست جلسات، أعادت ظهرها إلى الخلف أرسلت روحها تمسح نوافذ الغرفة.. نظرت حيث الحياة تزهر من داخلها وتهمس بصوت منتعش
سلمى أريد أن أرتاح..من الشعور الذي أنا فيه
كيف لي أن أساعدك؟ قلتها بحماس يناسب حالتها المزاجية
وضعت يدها بفمها وأخرجت ثلاث أسنان أمامية… للحظة كنت تحت تأثير كلماتها والمشهد الواقع أمامي، لم أضحك.. لم أفهم.. قد تكون الراحة أقرب لنا مما نظن.. بسلوك بسيط.. لكن لا نفعله! لم أخرج من قوقعتي كأخصائية نفسية عليها أن تخضع لمعايير معينة في التعامل مع مراجعيها
أكملت السيدة حديثها بلدغة خفيفة لكنها واضحة وهي تضحك بسعادة طفل لتوه اكتشف امكانية نطقه للكلمات
– ثلمى.. لم يرني أحد من أقاربي بدون طقم الأثنان، فقط زوجي وابنتي وأنتِ ثالثتهما.. الآن تعرفين حقيقتي كاملة حتى أثناني الاثطناعية
ضحكت.. ضحكنا.. نعم ضحكنا سوياً؛ لأن عفويتها فعل صادق.. طاهر.. يجعلنا أرواح نلتقي لينتج عنه علاقات إنسانية في قمة الجمال. ودعتها بعد أن اختارت طريقتها لإدارة الجلسات.. بعفوية وطهر وصدق في التعامل المتبادل بيننا
قسوة الأحكام المسبقة على أنفسنا من أنفسنا وغيرنا تفقدنا طريقة التعبير عما في خواطرنا، نختار الصمت وإخفاء أفكار قد تلون أرواحنا.. وطموح يسعدنا.. نخفيه تماماً عن شريك حياتنا وأقرب الناس إلينا. فبعض الذين نصادفهم في حياتنا هم شخصية انتقادية يتفننوا بإسقاط سوداويتهم علينا..! فنكتفي بالصمت.. وإخفاء ما لدينا لنعيش بوجهين.. أو عدة أوجه
جميعنا مررنا عبر ذلك السرداب المظلم حيث نسرق منه أقنعة نعيش بها حياتنا كممثلين بارعين لإخفاء حقيقتنا.. حقيقة عفويتنا الإنسانية..! قد يكون لديك أقنعة بكل الأشكال نرتديها في كل مناسبة. صدقني.. إلا هنا.. في العيادة.. في “غرفتي” لن تستطيع الاستمرار في التمثيل؛ لأنك هنا لا تحتاج لتدافع عن صورتك..عن مكانتك الاجتماعية أو المهنية أو الاقتصادية، هنا لن تستخدم الكذب سلاحاً لحماية نفسك من حكم مسبق، هنا لن تجد من تنظر في عينيه لتتفحص مدى رضاه أو سخطه عليك، هنا لست مرآتك الإجتماعية، هنا أنا لأكون بجانبك رغم قسوة الحياة وعبثيتها
مواجهة ذاتك تحدي صعب.. تعيشه يوماً بعد يوم حتى تختفي وتنصهر مع أقنعة وهمية تصنعها أنت لنفسك فتذوب معها وفيها. من منّا يود أن يعيش كل هذا التكلف الذي لا!يمثلنا في الأصل؟ لكن للأسف.. حقيقة.. بعضنا يفعل
- تم تغيير الهوية “العمر أو الجنس” وأخذ الموافقة من العميل
- All identification been changed “age or gender” and took consent from client
SHARE THIS
العفوية التي يكون عليها من هو أمامك نابعة من الاحساس بالأمان ،، و المصداقية في التعامل..
If you didn’t write a book who will do …
you have amazing writing skills.