أمتلك قدرات عبقرية في نسيان الأسماء بينما ذاكرتي البصرية حساسة لأبعد حد بل تفوق الوصف. قادرة على تذكر الأماكن، الوجوه -دون أسماء طبعاً
. تخيل معي.. ممر يؤدي إلى صالة عُلق على الجانب “انتظار السيدات”، أصل عند مدخلها وأنا مثقلة من التعب، الغرفة كراسيها متراصة بالقرب من بعضها كجلسة حديث حميمية تحمل الكثير من النميمة و الغيبة.. عُلِّق مُلصق على الحائط المقابل كتب عليه “دقائق الانتظار املأها بالاستغفار كأنها توشوش لي إياك والحديث مع إحداهن، لا تضيعين وقتك في حديث تافه
..! أجميع من يجلس يفهم هذه العبارة بنفس المنطق، أم أنها عادة مجردة من معناها الحقيقي، أم هي كعيني مراقب يسمع ويرى ما يحدث لينقله ! في هذه الغرفة ترى وتسمع العجب، قد تشمئز من سطحية بعضهم أو تفقد أعصابك من غباء وتصرفات البعض أو تسمع مآسي مؤلمة. كنت في مستشفى لمراجعة الطبيب لأجدني محاصرة بثلاث سيدات و…. طفلة
! وحتى تكتمل دائرة التصوير في ذاكرتي؛ تدخل إحدى الممرضات بصوت ساخر تخبرنا بأنه حصل عطل فني في التكييف المركزي بقسم الأشعة كجزء من عملية انصهارنا قبل دخولنا إلى الفرن..! لم يستطع أحد منّا مجاراتها والضحك سواها، بينما إحداهن تمتمت بأدعية تُذكِّر بلهيب جهنم كنوع من متعتنا السادية والتلذذ بالعذاب الدنيوي ليحمينا من عذاب الآخرة
بينما أكملن الباقيات انتظارهن بتمثيل دور الصابرات المرابطات. عرقي المتصبب مني يستحث ذاكرتي للهرب من الموقف، تذكرت صوت زميلي في العمل يحكي عن باحثة اجتماعية ظهرت في إحدى القنوات الإعلامية المرئية تروي بأن أحد أسباب زيادة الطلاق في السعودية هو وقت الذروة وخاصة الظهيرة بسبب حرارة المناخ! لم أنتهي من تذكر كلامه إلا وأنا في حالة تصديق لتلك السيدة بشكل مدهش.. مؤمنة خلف ذلك الصوت
“أكيد.. أكيد” كمنطق الحر الذي أعيشه الآن، يبدو أن ردات فعلنا كأشخاص تتأثر بشكل سلبي مع درجات الحرارة المرتفعة
. هذه السيدة بالقرب مني نفذ صبرها وانقطع رجاؤها من تمثيل دور الصابرة، بدأت في التذمر من الإنتظار والمسافة الطويلة التي قطعتها من أجل الكشف هنا. أثارت اهتمامي بحديثها لعداوتي الأزلية مع المسافات البعيدة في الأماكن وفي العلاقات.. قاطعتها بحديث عابر عما يمكنها فعله لإمضاء وقتها بينما المسافة مازالت كبيرة بين موعدها وعودتها لمنزلها؛ علها تكف عن إثارة شفقة من حولها، وقبل أن أنهي كلامي
قاطعتني: المسافة متعبة، تعبت كوني إمرأة عقيم -وكأن حرارة الغرفة استفزتها- عشر سنوات وأنا أقطع هذه المسافة باحثة عن حل ينهي مأساتي فيكتمل حظي ليقضي عليّ بهذا الحر المرهق. ثواني من الصمت مرت علينا جميعاً في تلك الغرفة وعيني تلتقط ردات فعل الآخرين وتلك الوجوه الصامتة وذلك الملصق على الحائط الذي لا يلتزم به أحد
قطعن الصمت ومحاولة السيدات جميعاً في عرض قدراتهم الثقافية في النصائح بالتصبر والأجر الممنوح لها والمؤمن المبتلى والوصفات الشعبية المؤكد نتائجها.. والداية أم فلان يدها مباركة..! وعلى عجل يتناقلن أسماء لأطباء مشهورين في مثل هذه الحالات
أكملت السيدة المنقبة.. طرقت كل الأبواب من أجل أن أنجب مرة أخرى حتى اكتشفت أن المشكلة لدى زوجي وليست لديّ.. حين طلب الطبيب بعض الفحوصات منه و بعد ظهور النتائج صارحه بوجود نقص في عدد الحيوانات المنوية مما يعيق عملية حملي مرة أخرى، فحملنا الخبر المُحزن وعدنا إلى منزلنا.. لتبدأ قصتي الجديدة مع زوجي، بات كثير التهرب من واجباته الزوجية باختلاق شجارات غير حقيقية يتبعها السهر خارج المنزل، وتمادى في طغيانه وهددني بعلمه من خطابة لتساعده بالزواج من ثانية ليثبت أن المشكلة ليست منه
وعلامات الاستفهام تعتري وجهي المكشوف وسط سيدات منقبات يقرأن استنكاري وتعجبي..و كأن كلمة خطابة مجرد نكتة غير حقيقية يتداولها صديقاتي في وسائل التواصل الإجتماعي للمزح فقط!
.. إمرأة من المرابطات معنا في الحر تدخلت..و قالت لها اصبري و إن تزوج
“ردت السيدة المنقبة بكل خوف “لا أستطيع أن أتخيل ذلك… أشعر أني في حالة سخط
بكل حزم أجابتها المرابطة: ما يجوز تقولي كلام زي كذا ..هذا كفر،
و أنا لا أفهم منطق إخراس الناس وكبت مشاعرهم بإسم الدين
أراه دائما في عيادتي ..عندما يسردون همومهم يذكرون صوت غيرهم عند النصيحة “أقول الحمدلله غيري أسوأ” قد يكون غيري أسوأ لكن احتويني أولاً ثم اسكتني.. وكأن الإحتواء جزء خارج عن الشرع و الدين. لم يسعني الوقت لأضع قبعة الأخصائي وسؤالها عن شعورها.. وهل استشارات مختص.. رتبت أفكاري ثم انفجرت أعطيهم درساً عن حق المرأة و الرجل في العشرة ولم يسكتني إلا نداء الممرضة لدوري
في ذلك اليوم فقط
أعتقد تغلبت و لو لبعض الأحيان عن فكرة أني لا أحتاج موافقة الآخرين في جميع أفكاري
SHARE THIS
من حظي الجميل أني أعرفك !
Areej Alrefai
و أنا كمان 🙂