هدى موظفة السنترال -هكذا تنادي نفسها-
..تتحدث بصوت رتيب
أقبل الصيف وجميعهم يستعد لإجازة جميلة وسعيدة.. شرم، بيروت، إسطنبول، ماربيا
إلا أنا، لقد توقفت عن متابعة الفاشينستات على وسائل التواصل الاجتماعي فقد أصاب باكتئاب حاد وبعدها لن تستطيعين حتى أنت يا سلمى معالجتي. كعادتي السنوية وبسبب عقدة أبي الذي يمنعنا من السفر، أجلس على كرسي المكتب وحين تعود زميلة لي من إجازتها لا أسأل عن مكان سفرها؛ بل أسترق السمع لحماس مغامراتها وأتخيل نفسي في تلك المقاهي والفنادق. والمُحزن أني أدوّن كل المعلومات لعل يوماً ما تنحل الُعقدة وننطلق في أرجاء الله الواسعة. أموت غيظاً عندما أرى حماس الجميع لخطتهم الصيفية! إلا أنا.. أحترق بصيف جدة! كالجمر، انظري إلى لوني
أصبحت فحمة سوداء صغيرة لكثرة تعرضي للشمس دون مُتعة .. حتى المنتجعات البحرية يمنعنا منها أبي لأنه لا يثق بنا أو بالعالم الخارجي! يُشعِرنا بأن الجميع طامع مترصد. “والله ما أحد جايب خبرنا” هدى: سيطرة أبي غريبة لم أفهم سر منعه لنا للسفر.. تعلمين أني عن غير قصد استمعت لحديث بين أمي وخالتي تخبرها أن أبي لديه فوبيا من الأماكن الضيقة فهو لا يتحمل فكرة ركوب الطائرة إطلاقاً، فدفعنا نحن ثمن عُقده النفسية بتضييقه علينا! جاملته أمي على مر السنين
الحقيقة أنها كانت سلبية لا أكثر حتى ملّت هي أيضاً لأن كل أخوتها يسافرن سنوياً مع أزواجهم أو صديقاتهم وتستمع إليهم عند عودتهم بحزن وحسرة، وعندما قررت أمي السفر معنا دونه جن جنونه! وأسرد لها كل أدلة النهي والتحريم عن سفر المرأة دون محرم. تنظر نحو سقف الغرفة كأن طيف والدها يحضرنا وتحادثه: النهي في زمن قُطّاع الطرق يا أبي.. أما الآن السيدات تسافرن إلى المؤتمرات وتحاضرن وتحصلن على أعلى الشهادات ووصَل بعضهن إلى القمر
ومازلنا نتفاوض معك إذا السفر مع مجموعة نساء وقد أُمِّنت الطُرق حرام أم حلال؟
تعود من شرودها تحادثني ذلك اليوم المشؤوم بغبائي وحسن نيتي اعتقدتها وسيلة قد تشجعه عندما صارحته مازحة.. بأنه عليه أن يخضع لعلاج نفسي بسبب خوفه من الأماكن الضيقةclustorphobia هكذا قلتها باللغة الإنجليزية لأشعره بأني “كشخة” و لدي معلومات قيمة.. خانني التعبير.. نعتني بالفيلسوفة ورمى منفضة الدخان بكل قوته علي! لولا ستر الله!! لكنت أفقد شقي الأيمن وأصبحت فحمة مفتتة!! لكني بحركة لولبية وسرعة نفذت منه وارتطمت الطفاية بالجدار من خلفي و انكسرت. تعود هدى لحالة الحديث الذاتي وإطلاق الأسئلة الاستنكارية وتأملاتها الخاصة بصوت هادئ
لماذا التحسس المفرط من العيادة النفسية.. لماذا عندما آتي العيادة في غرفة الإنتظار وابتسم للسيدات يتصرفوا بإعاقة عجيبة كأني لستُ موجودة.. ينشغلون بهواتفهم المحمولة لعلها تُخفف عنهم حدة التوتر والخجل؟ لا أرى ذلك في عيادة التجميل أو الأسنان وغيرها.. لماذا نشعر بالعار عندما نذهب للشخص الصحيح لمساعدتنا.. لماذا الخجل؟!! هدى شخصية ظريفة جداً.. تأتي كل أسبوعين العيادة بسبب ظروف دخلها مع العلم بأن المركز يراعي وضعها المادي
وتأتي مديرتي كالعادة آخر الشهر مازحة “حنفلس يا سلمى بسببك” أما عن هدى أنا متأكدة لو زاد راتبها الشهري لرأيتها كل يوم. في بداية كل جلسة تخلع حذاءها وتتكئ على ظهر الكنبة، وطوال ساعة الجلسة لا تتوقف عن الكلام إلا لتأخذ نفس عميق وتعود للانطلاق في حديثها، وإن لم يتوفر لها موعد تنهال بمراسلتي على بريدي الإلكتروني معنونة “أستاذة سلمى عاااااااجل وضروري اللقاء”- موضوع هاااااام جداً
قد يشعر البعض أن الجلسة هي الساحة النفسية والمتنفس الوحيد لهم، دون رمي الطفاية طبعاً أو السخرية منهم أو من أفكارهم وأخطائهم! لماذا يصعب علينا أن ننصت؟ أو أن لا نعطي أوامر.. لماذا نحن أوصياء على غيرنا.. حتى وإن لم يطلب منا ذلك؟
هدى صاحبة شخصية جميلة وحالمة من مجتمع محافظ جداً، أب متحكم!! ومثل أي فتاة، حلمها الأول قصة حب لا تنتهي.. لحظات من الصمت تسترجع فيها هدى نفسها من جديد مع نفس عميق وتكمل حديثها. لا أعلم متى أتقبل أسلوب أبي الفظ، وأنا في الطريق إليك مع أبي في السيارة بدأ بإستجوابي عن أسباب مجيئي هنا وضياع المال من غير فائدة، ثم انتقل إلى نظريات المؤامرة عليه من قبل إخوته وكأنه يوسف عليه السلام.. ويمكرون به.. ويطمعون فيه وبذكائه.. لديّ قناعة بأن جدتي لم تبذل أي مجهود في تربيته لأنه شخصية سخيفة مُدمرة. محبط جداً وضعي؛ لأن أبي لن يتغير وسيظل الإنسان النكدي ولا أريد أن أتزوج بشخص مثله مطلقاً
أنت صادقة فعلًا يا سلمى..أنا عندي دادي إشوز
Daddy issues هي عبارة غير رسمية تستخدم للتحديات النفسية الناتجة عن علاقة غائبة أو غير طبيعية مع الأب
لكني حضرت اليوم ولدي مشاعر مختلطة بين الحماس والخجل والسعادة والخوف لمشاركتك موقف مختلف من نوعه حصل مع زميلي “الأربعيني”؛
هكذا أسميناه في جلستنا”.. سلمى: ما به؟! هدى: متزوج ولديه ثلاث أطفال. سلمى: يا لهوي
!! هدى: اعتقد بأنه غير سعيد في حياته فهو لا يرتدي خاتمه..!
سلمى: ومن قال بأن الخاتم وجوده كفيل بالحصانة؟
! تضحك مكملة حديثها
،- أردت أن أخبره قبل إجازة الصيف برسالتي -احمر وجهها خجلاً
لكن تعلمين جيداً حرصي بأن لا أتعدى الخطوط الحمراء لكن كتبتها لتقرئينها
أنت فقط
بكل حماس أخرجت هدى الورقة.. وكلي فضول لأقرأ تفاصيل مشاعرها المنثورة.. كانت رسالة مكتوبة بخط مرتب جداً بعكس خط يدي الذي يعده الجميع مصدر للضحك والسخرية. أعدت قراءة الرسالة أربع مرات من غرابة المحتوى فطلبت مني الاحتفاظ بها؛
تعلم هدى أني أحب الرسائل المكتوبة بخط اليد! حزنت لأني وددت لو تغامر وتحب كما يفعلن الفتيات.. لكني أخاف عليها.. وكأن طيبتها عملة نادرة في هذا الزمن.. ولا أستطيع التعبير بذلك، أخشى أن أتحول لوصية عليها؛ فلدينا اكتفاء من استفزاز الأمهات الشرقيين و تشبعنا بالنصيحة.. مجتمعاتنا تعشق الوصاية والتسللات الهرمية، افعل ولا تفعل حتى أصبحنا متعددي الأوجه أمامهم
طقطقت أصابعها وشدت عمودها بقوة على ظهر الكنبة و بكل ثقة.. أستطيع أن أخبرك وأسرد لك طقوسه الصباحية، وقت دخوله للمكتب، نوع العطر الذي يستخدمه، مزاجه الصباحي عندما لايحب الحديث مع أي شخص إلا أنا، كيفية تحضير قهوته الُمرّة التي تناسب مزاجه السوداوي الغامض، حتى وقت استراحة الغداء، يتعذر بانشغاله بالعمل من زملائه، لكني أعلم أنه يريد توفير ثمن وجبات الغداء لأنها مُكلفة وأسعارها غير منطقية
سلمى: أحتاج منك التفكير بعمق في هذه العلاقة وهذا الكم من المشاعر أهي بسبب غياب وجود رجل حقيقي؟ أم لأن الأب لم يمثل يوماً شخصية الرجل الناضج الذي تتمنينه؟! هو في منتصف الأربعين من عمره وأنت الآن في الرابع والعشرين من عمرك؟! ومتزوج ولديه ٣ أطفال.. لا أرى أي عيب في محبة شخص يختلف عنك في عمرك الزمني.. لأنه أحيانا النضج العقلي يغطي فارق العمر
هل ستجازف هدى؟ لأي درجة؟ هل ستعطي له رسالتها؟ وماذا عن تبعات الخطوة والإلتزامات والبيت الآخر.. كل هذه الأسئلة كانت تشغل بالي، بعضها طرحتها وبعضها أسررتها في نفسي خوفاً من تلقينها الإجابة
الحب شعور مؤقت، فعندما يذهب الحب نُخذل لأنه خدعنا أكثر مما كان ينبغي.. فهل نُعبِّر عن حبنا الحقيقي لمن نحب دون أن نختبئ خلف الخجل والمنطق والأقنعة؟ هل نستطيع إخبارهم بأنهم من نفكر بهم قبل أن ننام ويستيقظ طيفهم معنا صباحاً ونلقي عليهم حبنا وتباشير الصباح الأولى، وأن كل علاقاتنا الماضية مملة.. ولا تقارن بوجودهم ولا تشبه جمال وجودهم الحالي في حياتنا..! هل نستطيع أن نجازف بإستقرارنا الحالي مقابل سعادة دون ضمانات
تم تغيير هوية الشخص وأحداث القصة لتتناسب مع سرية العميل وأخذ الإذن المسبق منه
SHARE THIS
I also have daddy issues, but I don’t see how it has an effect on my relationships with men, does it ?
not everyone has an issue with their dad develop daddy issues.
it really depends on the person, their character and life experiences.
but in some cases for the ones who don’t have a father figure role, we trace their pattern of relationships, and it can be unhealthy ones to fill a gap they wanted to feel.
متى نستطيع أن نحكم على مشاعرنا بأنها حب وليست أكثر من مجرد راحة إعجاب تعاطف، قد يأتي أحدهم في وقت نحن بحاجة إليه وينتقل الإحساس لا إراديا إلى منطقة تمني أن يكون حب أو ظهور في وقت سابق لنستطيع التعبير عن الحب، ورغبة في ترك كل ما حولنا والانتقال إلى نزعة شديدة لا نعلم أو ندرك مدى السوء الذي قد تجره أو الاستغلال الممكن حدوثه للأسف، عموما أنا أميل إلى النظرة القاتمة لأن التعبير عن المشاعر قد يؤدي إلى سوء تفسير أو هدم علاقات كنا نتمنى استمرارها، أخيرا الحب في نظري هو بقاء مسافة بين طرفين يجعلهم في لهفة مستمرة وشوق وانتظار كل طرف للآخر..
سؤال مهم هل من الممكن اعتبار المتخصص في العلاج النفسي صديق؟ هناك الكثير الذي قد يرغب البعض في التحدث عنه ولكن لمن؟ صديق! علاقتنا مبنية على المصلحة والطبقية والفوارق المادية والحسابات البنكية لا يوجد من هو قادر على إعطائنا الوقت للتحدث بحرية والتعبير عن ما نشعر به دون حساب لكل كلمة
تحياتي
صحيح في فرق بين الحب و الاعجاب، الحب يأتي بالعشرة و الزمن أما الاعجاب هو شعور ايجابي مع تعلق و لايوجد عشرة كافية.
لكن اغلبنا يقع في اعجاب عالي في فترات نكون نحن محتاجين و متعطشين الى التغيير، موضوع التعبير للشخص شوية رمادي قد تعبر و تقابل بالصد او تعبر لكن الشعور لن يأخذك الى اي مكان.
سؤال مهم عن المعالج لا ليس صديق، هو شخص قد تشعر انه أكثر من صديق لانه لا يحكم عليك او على تصرفاتك لكن تنتهي مهته الى حد معين. شهادات المعالج و خبراته و الوقت و الجهد في التحضير للعلاج هو الذي يجعل العلاقة مهنية و ليست صداقة.
لكن انا دايما فكر في موضوع الطبقية و الفوارق..
شكرا غسان
I really enjoyed this read.
I strongly believe if people have daddy issues, of any sort. Or the Dad is not capable of providing the necessities it triggers the female to look for a man-figure faster and at a young age to fill their lives.
Unfortunately this makes me afraid because.
, sometimes that means choosing the wrong life partner because of looking at the wrong reasons.
حقيقي نحتاج نتحرر من عقد الطفولة و ماننسب اخطاء غيرنا لنا او نشعر بالذنب على أشياء ماكانت خطانا