Blog

Home / أيلول الأسود

December 25, 2018

أيلول الأسود

أنا لست ذات اهتمامات سياسية، ربما أتعاطى الأخبار السياسية على هامش حياتي اليومية كنوع من استحضار مكانتي من الخارطة العامة لهذا العالم

تدهشني شخصيات تعيش من أجل قضايا سياسية صرفة، نقاشاتهم الحادة تشعرني بالوجود، وإن لم أكن أفهم منها شيئا. يكفيني شرف متابعة تلك الروح المتوقدة بالقضية ورأيها بالحق والمكانة والعمل من أجل تحقيق وجودهم على هذه الأرض

ذلك الشغف الحارق في الفؤاد يشعلني من أجلهم. انتماءاتهم لحزب معين. أمر أسمعه ولم أعشه. لطالما أبحث عن تلك الروح.. عن الإنتماء في كل شخصية أصادفها في عيادتي.. لا نختلف جميعا بأن السياسة ممتعة موجعة


Steven Speilberg للمخرج munich, منذ مدة شاهدت فيلم اسمه

. بالنسبة لي أعتبره من أجمل الأفلام فيها إنصاف ولو قليل لأصحاب الأرض. وبمحض الصدفة بذات الأسبوع أتتني عميلتي والدها ذَا  شخصية مناضلة أفنى حياته من أجل القضية الفلسطينية، من الذين شاركوا في التخطيط لعملية سرية في ميونخ- ألمانيا عام 1972 حصلت هذه العملية أثناء الأولمبياد، تم احتجاز 11 إسرائيلي مقابل الإفراج عن 236 فلسطيني من سجونهم


ورغم عملي كأخصائية نفسية قادرة ومدربة على فصل مشاعري الخاصة عن أوجاع عميلي.. لكن وقد حدث.. تألمت وحزنت ثم ارتفع الوجع حد الغضب عمّا آلت إليه قصة عميلتي وتعاطيها مع قضيتها أو قضية والدها
عاشت بحقائبها المتنقلة من منزل إلى آخر، أشخاص يغادرون الحياة دون الإلتفات لهم، لم تكن تعرف من دراستها سوى كتبها، لا علاقة لها بفناء مدرسة ولا بفصل ولا بحائط تتكئ عليه، ولا صداقات تشاركهم اللعب أو حتى وجبة الإفطار بشكل دوري. تعايشت عميلتي في دائرة التغيير المستمر كما وأنّ اللا استقرار هي سمة حياتها الأولى

أذهلتني هذه  الشابة الذي تمكنت من التعامل مع أول تغيير في حاجتها الأساسية للاستقرار، تحولت إلى شخصية صلبة لا يمكن لكل هذه الإهتزازات منذ طفولتها إلا أن تزيدها  قوة وقدرة على التأقلم السريع مع معطيات الحياة الراهنة

تحكي بوجع مدفون.. تحكي بسؤال مستنكر.. ومتكرر في كل لقاء من لقاءات والدها عن أشخاص قدموا لها حلوى أو كتاب أو مسحو على رأسها أو لعلها تحدثت معهم سويعات؛ فيأتيها صوت والدها بوجه لا يحمل أي تعابير حزن أو حتى غضب بكلمات مختصرة تنهي وتقتل أي مساحة للبكاء أو الفجيعة ” تم اغتيالهم”

 

لا لوم على والدها، هي هكذا القضية! عندما تؤمن بها.. تتحمل كل شيء من أجلها.. وكأنه مدرب على أن لا يحزن أمام الجميع، أن لا يعبر عن فقده لزميله، ذلك الزميل المقدر له أن لا يعلن على علاقتهم من الأصل. لعل والدها أيضا يعاني من كبت لمشاعر الفقد أو لعله تعلم بأن يتخلص منها في الخفاء بعيداً عن أعين الجميع، أو لعله يرى أن لا حق لأحد الحزن والحسرة بل الفرح لأن شخصا ما سبقه لشرف الموت من أجل قضيتهم

ليموت داخل هذه الشابة في كل مرة القدرة على التعبير عن مشاعر الفقد المصاحبة لذلك الحدث، لا عزاء.. لا أيدي تتصافح مواسية بعضها، لا قهوة تشرب تحمل مرارة وخزات الصدر المجروح على ميت، لا صوت ندب أو بكاء عالٍ يضج فيمسح عن صدرها حزنها، لا يحق لها مشاركة الحديث لاسترجاع ذكريات فقيدهم.
هكذا فقط يُغتال شخص ما فيغتال قلبها في كل مرة معلناً تحولها لشخص غير قادر على التعبير عن حزنها.. عن مشاعر الفقد تلك، لتتكون لديها مفاهيم ملوثة حول مشاعرها لتحكم على نفسها بتنفيذ أمر الجمود الصارم أمام كل وجع فقد يقابلها في حياتها.. عاشت طفلة بلا قدرة على التعايش مع ألم الفقد لتكبر وتصبح شابة

تتقبل خبر وفاة حبها الأكبر بجفاء.. بهروب بغضب بثورة رافضة الإعتراف بحقها في البكاء والحزن والوجع على فقدها لأكثر شخص أحبه قلبها..
عميلتي هذه المرة فقدت والدتها ولم تتمكن رغم ذلك بأن تكفر بكل تلك المعتقدات القديمة ولم تتمكن من الحزن على فقدها بل تحولت إلى شخص أكثر شراسة ترى أن دمعها غير مجدي ..ولأن شعور الضعف مرتبط عندنا بالبكاء أو الشعور بالحزن فدفنت قلبها مع حزنها.

قوانين وتقنين وتقييد المشاعر جعلها في حالة من الكبت الغير مفهوم، ليحولها عقلها إلى حالة من القلق واختلاق أسباب غير واقعية لتفريغ الأوجاع؛ فيظهر حزنها على هيئة خوف غير مبرر.. أو قلق غير مفهوم على اخوتها ..أطفالها..أو أي شيء يصادفها لتوقع عليه هذا الخوف والقلق

أين يذهب ذلك الكم الهائل من الشعور يجب عليه أن يتمحور في مكان ما أو يصرف بأي طريقة كانت. هضم المشاعر يأخذ وقت طويل في بعض الأحيان.. لكن يجب على العقل مواجهة تلك العاطفة..

تم تغيير هوية الشخص وأحداث القصة لتتناسب مع سرية العميل وأخذ الإذن المسبق منه*

SHARE THIS

1 Comment

  1. Reema Abou Najela
    December 25, 2018 at 7:17 pm · Reply

    لكل كلمة عبرة ومعرفة، إحساس وعاطفة.. أأحسست أجواء غرفة عيادتك بل رأيت إيماءاتك ونظرات تعاطفك ودينامكية حوارك في العلاج.. شكرًا سلمى لأنك إضافة في حياة كل شخص في قطر دائرتك القريب والبعيد إلى المحيط

    نُحب قربك وابتساماتك وعفوية مزاحك كل يوم

Leave a reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

We’d love to help

If you are unable to pay your sessions due financial reasons!

let us know!

I cant afford

Find Me

ACT Center
233, Mohamed Bin Abdulaziz St. Al Andalous District.
Jeddah, Saudi Arabia
P.O.Box. 140905,

We Are on Social